الاثنين، 19 نوفمبر 2007

بلال فضل بعد الفاصل

هتوحشنا
أحبب من شئت فإنك مفارقه. وأنا وعهد الله أحبكم لكني مضطر لأن أفارقكم قليلا.
رويدا وبالراحة، لايسارعن أحد منكم إلى إطلاق حكم ناري علي يظلمني دون روية أو تثبت. قبل حتى أن تسمعوا عذري الموجب لهذا الفراق المؤقت، يجب أن تعرفوا أنني ظللت صامدا في هذه الزاوية اليومية لأنني "إتربطت" بكلمة مع إبراهيم عيسى أستاذي ، كنت سأقول وولي نعمتي، لكنني خفت أن تقول أنني أجامله لزوم الخلعان من هذه الزاوية، دعاني فلبيته بعد أن كنت قد توقفت لأشهر عن الكتابة في العدد الأسبوعي لزوم شحن الروح الإضطراري، لم أجرؤ على البمبكة مع طلبه كالعادة، أنى لك البمبكة مع إبراهيم عيسى بجلالة قدره وجزيل فضله، قلت له دون أن أحسبها "سأكتب ثلاثة اشهر"، فقال لي دون أن يحسبها "لا هتكتب سبعة أشهر"، وحصل، كتبت سبعة اشهر وثلاثة أسابيع تنتهي اليوم، وكنت أنوي أن أستمر والله، لكنني قررت أن أتخذ القرار الصعب الشاق على نفسي وأتوقف لكي أتقن في عملي كما أتقنت في هوايتي، ولكي لاتؤدي المكابرة في الإستمرار بأي شكل في الجمع بين عملي وهوايتي إلى خسارة ماحققته في عملي ككاتب سيناريو وما حصدته من هوايتي في كتابة هذه الزاوية اليومية التي أزعم أنني حاولت أن أكون فيها على قد ثقة إبراهيم عيسى وأسرة تحرير الدستور، فضلا عن أن أكون قد تواجدي بالقرب من عملاق إسمه فهمي هويدي، الذي أبدع الإخراج الصحفي لهذه الصفحة تحديد الفوارق بينه وبيني، فوضعه في أعلى عليين ووضعني في أسفل سافلين كما يليق بواحد من جيل البنية التحتية المغدور، يمكن لك أن تحسبها هكذا أو تحسبها بأنهم ربما وضعوني في صفحة واحدة مع أستاذي ـ وصديقي لحسن حظي ـ فقط لكي تعالج كتابته الذين تضرروا من كتابتي، أو لكي تفسد كتابتي من أصلحتهم كتابته الساحرة المذهلة المتماسكة الشافية المعافية.
لو بادر أي منكم الآن لتطييب خاطري والثناء علي بما يظن أنني أهل له أكون قد نجحت تماما في الغلوشة على رغبتي في رحيل مؤقت لم أكن أرغب فيه، لن أكذب عليكم، أنا لاأكتفي من الثناء، حتى لو كنت أزعم أن لدي قدرا لايستهان به من الثناء جمعته عبر آلاف الإيميلات والرسائل والماسيجات والمصافحات والتمنيات والدعوات والكلمات الطيبات، طبعا زيادة الخير خيرين، وكرم الله علي أكبر من أن أصفه أو أحيط به علما، يكفيني أنني لم أحب أحدا في الله والوطن والفن والكتابة إلا وأقر الله عيني برؤيته محبا لي راضيا عني، ولم أكره أحدا من أجل الله والوطن والفن والكتابة إلا وأقر الله عيني برؤيته ناهشا في لحمي كتابة أو شفاهة، ولم أكن محايدا تجاه أحد إلا ووجدته محايدا تجاهي، ولامرة خابت معي، حتى وإن ظننت أحيانا أنها قد جلّت معي في هذا أو ذاك ممن أحب، كل شيئ يأتي في وقته ونصيبه، فجل جلال الله الذي لايرد سائلا ولايحرم طمعانا في كرمه.
سبعة أشهر وكام أسبوع كتبت فيها وياما كتبت، ييجي مائتي مقال أو مادون ذلك، شوف، الأخوين رحباني جعلا فيروز تقول: كتبنا وياما كتبنا وياخسارة ماكتبنا، لكنهما فشلا دائما وأبدا في جعلي أؤمن بذلك على كثرة ماآمنت به من كلامهما وغنائها، كتبت وياما كتبت، وياطيب ماكتبت، ياخسارته فقط لو لم يكتبه المولى في ميزان حسناتي القليلة ويمحو به خطايا لاتعد ولاتحصى، الكتابة بالنيات ولكل كاتب مانوى، والله أعلم بالنوايا. سبعة عشر عاما مرت منذ أن بدأت أعمل في الصحافة هاويا ثم محترفا قبل أن أتركها لأعود هاويا في غرامها الذي ظننت أنني سلوته واستللت نفسي منه، حماقات كثيرة ارتكبتها وحاولت أن أكون شجاعا فأعتذر عنها على الملأ، عندما عدت مع هذه الزاوية اليومية عدت إليها من غير حماقتي التي تركتها إلى غير رجعة، أو هكذا أظن لاخيب الله ظني، حاولت دائما أن أكون قد مايطلبه منا الله عزوجل، ألا نشرك به شيئا وأن نؤمن بأنه لاضار إلا هو ولانافع إلا هو، أقول حاولت، فتركتها على الله دائما مستعدا لدفع ثمن كل كلمة أكتبها أيا كان وفي أي وقت كان، ومفضلا في أحيان قليلة عن أن أعيد نشر ماكتبته قبل ذلك على أن أكتب كتابة أملأ بها الفراغ وخلاص، لذلك ولذلك كله أنا أحب كل كلمة كتبتها في هذه الزاوية التي أقصها يوميا بكل فخر وأضعها في مغلف جلدي قالوا لي أنه سيعيش طويلا، مغلف جلدي كتبت على غلافه "من أجل بناتي"، لعل كتابتي تعيش طويلا ولو حتى في وجدانيهما، ولو حتى لو لم يعش المغلف الجلدي طويلا.
نشأت في بيت يحب كل من فيه فريد الأطرش وهاني شاكر فلاتلمني إذا ألفيتني دراماتيكيا متصدع الروح، أحدثك عن الفراق كأنني ذاهب إلى المجهول، بينما كل الحكاية أنني سأظل مرزوعا في بيتي ثلاثة اشهر لاغير بإذن الله، أتفرغ فيها لإكمال مابدأته قبل عامين من حلقات مسلسل تلفزيوني تحرك أخيرا بعد طول تعثر، أتمنى أن يكون في نهاية المطاف قد كل هذه الدوشة التي عملتها لك بدل المرة مرتين وثلاثة، يشهد الله أنني كنت دائما أحاول أن أفسح وقتا للإلتزام بكتابتي الأسبوعية ثم اليومية وسط مشاغلي، لكن الكتابة للسينما تسمح بأن تقتطع ساعة واحدة يوميا لكي تكتب فيها شيئا آخر، أما التلفزيون فهو كجرح الوش مافيهوش معلهش، ليس عليك أن تودع قراءك فقط، بل ودع أهلك وأنت داخل لكي تكتبه إذا أردت ألا تقف إلى جوار الشيطان في جمرة العقبة يرجمك الذي يسوى والذي يسوى أكثر، لو فكرت أن أغامر من أجلك، فلن يرضيني أبدا أن أغامر بإسم مخرج كبير مثل جمال عبد الحميد لاأزال كلما جلست معه بعد سنين من الصداقة أعامله معاملة الأسطورة التي يستحق أن يعامل بها، كما يستحق أن اموت نفسي من أجل أن أكون قد إنحيازه لما قرأه مما أنجزته حتى الآن.
لاأريد تدبيس أحد في قرار إتخذته لوحدي ولم يطلبه مني أحد والشهادة لله، قرار أعلم أنه سيؤلم كثيرين ممن أعلم أن كتابتي تعني لهم شيئا، لكنني أفضل أن يسألوني متى سأعود للكتابة عن أن يسألوني متى سأتوقف عنها. راجيا من الله أن يدعو لي بالتوفيق والسداد كل من أسعدته كلماتي يوما ما أو شهرا ما من السبعة أشهر أو أسبوعا ما من الكام أسبوع الذين فاتوا من شهر نوفمبر، أما الذي لم يسعد لكتابتي أو تعس بها في كل الأشهر والأسابيع والأيام فأنا مضطر لأن أتوهم أنه سيستجيب لما أطلبه منه بأن يكون رحيما بي فلايدعو علي الله بما هو أكثر من أن يسعدني ويبعدني. هذا والله قادر على أن يستجيب في كل الأحوال لما يريده هو وحده لاشريك له، فلاإله سواه قادر على أن يكتب لقاءنا من جديد.. بعد الفاصل.

ليست هناك تعليقات: