الخميس، 22 نوفمبر 2007

ديمقراطية بالأرانب للكاتب الجميل ابراهيم عيسي

نقلا عن الدستور
21/11/2007
لم أقرأ ولم أسمع أن الرئيس السادات قد استشار نائبه حسنى مبارك فى قيامه بمبادرة السلام ؟ ولم أقرأ على كثرة ما قرأت أن السادات اجتمع بمبارك وأخذ رأيه فى أن يعرض على العالم فى خطبة له زيارة تل أبيب بل والكنيست نفسه ، لا نصوص ولا وثائق ولا شهادات تخبرنا أن مبارك كان مشاركا أو عارفا أو مستشار أو مشيرا فى هذه المبادرة ، فضلا عن أن السادات لم يعقد مثلا اجتماعا لمجلس الأمن القومى وعرض عليه فكرته حول السفر إلى تل أبيب أو السلام مع إسرائيل ، ودرس المجلس وأعضاؤه الفكرة وتدارسوا أبعادها ومخاطرها ونتائجها ووضعوا خططا لنجاحها أو فشلها وردود أفعالها ، لم يحدث أى شيئ من هذا فى دلالة لا تخيب على أن حكم مصر فردى وشخصى وأن مصر ليست بلد مؤسسات ببصلة بل هى دولة الفرعون الحاكم تماما مثلما حدث بحذافيره مع الرئيس جمال عبدالناصر حين أعلن قرار تأميم قناة السويس حيث لا أحد من الوزراء ولا رجال الحكم عرف شيئا قبل أن يفاجئهم عبدالناصر قبل اعلانه فى الخطاب بساعة أو أثنين وقد استقبلوا القرار بالتصفيق ، لم تدرس جهة ولا مجلس أمن قومى ولا مجلس أمة ولا مجلس ثورة قرار التأميم الذى فاجأ الجميع حيث كان قرار عبدالناصر بمفرده ووحده ونوذجا فى الحكم الفردى البعيد تماما عن شبهة الحكم الديمقراطى !
ثم هى نفس الطريقة وذات المنهج فى جميع قرارات الرئيس مبارك وأخص بالذكر تعديل الدستور الذى تفاخر الرئيس بنفسه أن أحدا لم يكن يعرف به قبل أن يعلنه حيث لم نشهد ولم نعرف أن هناك فى مصر مجلسا لأمن القومى أو مجلسا من مستشارى الرئيس المعروفين للشعب والمعلومين للكافة يجتمعون شأن الدول المحترمة ويتدارسون القرار قبل اتخاذه ، إطلاقا ، هيه كده ، حكم فردى وقرار فردى ثم يتحمل الشعب عواقب هذه القرارات إن كانت خيرا فخير او شر فشر ..وبس !
لهذا تتعجب لماذا توقف المعارضون الأشاوس لسياسات ومنهج وأفكار الرئيس السادات عن لعب دور المعارضة الآن بل ونرى الكثيرين منهم ( بما فيهم أعضاء فى أحزاب المعارضة ) قد تحولوا إلى مؤيدين للسياسة الحالية رغم أنها لا تختلف تماما ومطلقا عن سياسة الرئيس السادات ( بل صارت أسوأ واسود مصر الآن أكثر استبدادا من عصر السادات ، مصر الآن أكثر فسادا وأكثر تبعية لأمريكا واكثر سحقا للفقراء ومحدودى الدخل وأكثر انحيازا سافرا وسافلا لطبقة المليارديرات والمليونيرات بلمصر الآن أكثر تطرفا من عهد السادات سواء فى التطرف الدينى أو فى التعهر الأخلاقى ) إذن بالذمة لماذا توقف معارضو السادات( الله يرحمه ويحسن إليه) عن المعارضة ؛ نسلم أولا أن بعضهم كبر وشاخ وخلاص بقى جبن ( وليس حسن ) الختام ؛ لكن ماالذى يجعل كتلة هائلة من السياسيين اليساريين والكتاب والصحفيين والإعلاميين الأشاوس والمثقفين وأساتذة الجامعة الذين عملوا فيها رجالة وعارضوا السادات يأتى وقتنا هذا مع نفس السياسات التى عارضوها بشحمها ولحمها وألعن منها فإذا بهم من المؤيديين بل والراكبين على مقاعد فى وزارة أو مجالس وصحف و مؤسسات حكومية أو فى حزب الحكومة ؛
ليس مستغربا إذن ان يمكث شاعر مثل أمل دنقل هنا فى وطنه على مقاهى قاهرته يقاوم ويناضل بالشعر وبالثرثرة فيصاب بالسرطان ويموت بينما الشخص الذى هاجر وسافر وتعامل وتعاون مع ممولى وتجار المعارضة مدفوعة الأجر يعود بعد موت السادات ونهاية الممولين محملا بالمال ومرميا فى حضن نفس السياسات أو أمانة السياسات ، الذى ادعى أنه عارض السادات لأنه تصالح مع العدو فما رأيه فى الصلح ( والنوم ) مع العدو الإسرائيلى الآن والعلاقة الخاصة شديدة الخصوصية مع أمريكا ( لها أوصاف أخرى لا شجاعتى ولا حماقتى تسمح بذكرها ووصفها الوصف الحقيقى ) كذلك السياسة هى نفسها بل أشد كما قلنا فى الإنحياز للأغنياء من المليونيرات ورجال الأعمال على حساب الفقراء ومحرومى ( وليس محدودى ) الدخل !! وأيضا العيش فى ظل القوانين الإستثنائية وقانون الطوارئ الممتد حتى يرث الله الأرض ومن عليها ! وسياسة الإستبداد بالقانون والديمقراطية لها أنياب ومخالب على إعتبار أنها ديمقراطية فى غابة مع حيوانات وليست ديمقراطية فى بلد ومع شعب !
من الطبيعى للغاية أن يظل الموظف المصرى العظيم كمال أبو عيطة فى مصر (شاهده الآن فى مظاهرات موظفى الضرائب العقارية وهو يقود المظاهرات والاعتصامات لتعرف أن مصرلايزال فيها رجالة ) معارضا للسادات دون أن يستثمر المعارضة و لا يتنازل عنها فيستمر بعد السادات معارضا لذات السياسة ويظل هو نفسه الموظف والمناضل لا زاد ( إلا إحتراما ) ولا نقص ( إلا صحة ومالا !) بينما الذين لعبوا مع النظام أغنى وأشهر وفى مناصب عليا وتعلو !

وكان بعض من هؤلاء المعارضين السادات يكتب طاعنا فى وطنية الرئيس السادات ويتهمه بالخيانة وهم الآن الذين يكتبون عرائض المحبة فى عيد الشرطة وفى مجلات الشرطة ويمتدحون مبارك فى البرامج والخطب ويبجلون الرئيس كأنهم سيضيفون بلهفة ورجفة صيغة رضى الله عنه أو صلى الله عليه وسلم حين يذكرون أسمه !

ما علينا نرجع إلى منهج حكم الرئيس السادات الذى هو منهج حكم مبارك الذى هو طريقة يوليو فى إدارة البلد مع وجود فوارق طبعا لصالح إخلاص عبدالناصر وذكاء السادات ووظيفية مبارك ، مشكلة السادات كما مشكلة مبارك أنه لم مؤمنا بالديمقراطية فى يوم من الأيام .
كان مؤمنا بالسلطة .
وحسبما كانت السلطة تملى كان يملى عليه ويكتب
والسادات كان – حتى مقتله – على قناعة راسخة بأنه فرعون يحكم مصر مكما يحكمها الفراغنة ولم يخف على أحد أنه كان يعتبر نفسه وجمال عبد الناصر آخر الفراعنة!!
وكان السادات فى الحقيقة كما مبارك امتدادا لكل موروث ثورة يوليو فى الحكم الشمولى والقرار الفردى والوله بالذات والسلطة وجو التأمر والقرارات الكاكية وغياب الشعب والرأى العام وافتقاد حرية التعبير وحرية التغيير.لقد كان السادات يتعامل مع الديمقراطية كأنها منحة عيد العمال يصرخ الجمهور فى القاعة المنحة ياريس فيعطيهم رئيسهم المنحة!! وليس هناك دليل على عدم إيمان السادات بالديمقراطية قدر دليل واحد هو أنه كان يتراجع عنها بمزاجه وقتما شاء شوية معاها وشوية ضدها وشوية ديقراطية غربية وشوية ديمقراطية بأنياب ومخالب.شوية انتخابات رئاسية وشوية ديمقراطية بخصوصية ونكهة مصرية كأنها ديمقراطية ملوخية أو بالأحراى ديمقراطية بالأرانب !!
هذه هي المشكلة الجوهرية أن السادات - مرة أخرى - كان حاكما فردا ، مطلقا وفرعونا - على قده - وأن قراراته لم تكن تحسب حسابا لشئ سوى عواطفه ، رغباته و أفكاره .. و .. وخلاص . علاقته بأمريكا كانت الوجه الآخر من علاقة عبد الناصر بالروس . حسنا .. السؤال هل استغل أحدهما أيا من العلاقتين لصالحه أم لصالح بلده ؟ طبعا الإجابة من الطرفين - وفي نفس واحد - لصالح بلده .. هما وأنصارهما أحرار في أن يقولوا ما يريدون . لكن المنهج واحد . أن الجميع يلقي بكل شباكه - كلها - وفي لحظة واحدة وبانفرادية ، دعائية و غوغائية شديدة ، وبلا أي خطوط رجعة . حسنا سيقولون أن عبد الناصر جعل الروس يبنون السد العالي والمصانع ، وما إلى ذلك ، لكن الآخرين سيقولون أن السادات جعل الروس ( الروس وليس الأمريكان ) يقدمون أكثر مما قدموه في حرب أكتوبر . عبد الناصر انهزم بسلاح وعلاقات الروس في حرب 1967 ، و السادات انتصر بسلاح الروس - وكرههم - في 1973 . ثم أن السادات - في المحصلة الأخيرة - أعاد سيناء المحتلة بقوات حفظ سلام أو بقوات دولية على الحدود ، الدور والباقى على الذى جعل أبناء سيناء الآن متمردين على حكم الوطن بل وسعى كثير منهم للجوء للحدود الاسرائيلية كأن السادات حرر سيناء من الاحتلال الاسرائيلى كى يحتلها العادلى بجنوده !لم يبع عبد الناصر مصر للروس ، ولم يبع السادات مصر للأمريكان . شوف دلوقت من الذى استثمر وأثمر مالا لبدا يحسب أن ماله أخله وصار جيل البناء والأصهار والأقارب والوزراء مليارديرات بمال البلد والتعاون مع إسرائيل والتعامل مع أمريكا ،. نعم كان سياسات عبدالناصر والسادات كما قلنا تعبيرا عن الانفراد بالقرار وفرضه بالسلطان الحر . لا برغبة البرلمان الحر(!!) . لكن لدى مبارك برلمان حر ، هل لدى مبارك حد حر أساسا ،
يستغرب البعض كيف أن الرئيس مبارك بعد ثلاثين عاما من زياة السادات لأسرائيل لم يقم بزيارة إسرائيل إلا مرة واحدة فى زيارة تعزية بعد اغتيال رابين ورغم هذا القدر الهائل والمريع من التعاون والتعامل بل والتنسيق والتحالف مع حكومات إسرائيل الذى لا يكف الرئيس مبارك عن إسباغ صفات الصداقة عليهم أو وصفهم بالشجاعة أو التحدث عن ثقته فيهم ، رغم ذلك لم يقم بزيارة إسرائيل والأغرب أن غسرائيل وهى الملحاحة السخيفة لم تلح على هذه الزيارة ولم تطلبها قسرا ولم تشترطها أبدا ،
الحقيقة أن البعض يتصور أن عدم زيارة مبارك لاسرائيل نوع من المعارضة لإسرائيل وسياستها لكن لو كانت هذه المعارضة فهى أجمل وأرق معارضة على قلب إسرائيل الذى اخذت كل ما تريد وتأخذ من مصر ، ثم لماذا لم نلتفت إلى أن مصر فى عهد مبارك شهدت أكبر عدد من زيارات رؤساء وزارء تل أبيب ووزراء خارجيتها ومسئوليها لأى عاصمة فى العالم بل تنافس زيارا تهم للقارهة زياراتهم لواشنطن ، ثم ننسى نحن طول الوقت أن الرئيس مبارك جعل من مدينة شرم الشيخ ارضا سويسرية يلتقى فيها مع رؤساء اليهود ، بل إن الرئيس مبارك التقى مسئولين إسرئيليين وعانقهم وحاورهم وتبسط معهم بينما إسرائيل لم تتوقف يوما بل ساعة واحدة عن القيام بمجازر ومذابح ضد العرب فى الوقت الذى يرفض مقابلة معارضيين مصريين بل والمعارضين الذى يرضى عنهم وترضى أجهزته عنهم لا يلتقى بهم ويشاورهم مثلما يلتقى يهودا وصهاينة !
لم يقم الرئيس مبارك بزيارة رسمية لإسرائيل ، حسنا ولكن ماذا تقول فى عشرات الآلف من المصريين من مواطنى مبارك يزرون إسرائيل وفرحت بهم إسرائيل قطعا بديلا عن رئيسهم !

ليست هناك تعليقات: